من المقاومة إلى الهوية: كيف تحوّل النضال الفلسطيني من البندقية إلى التطريز والفن؟
على مدى عقود، ارتبطت صورة النضال الفلسطيني بالبندقية، بالحواجز، وبالوجوه التي تقاوم الاحتلال بشجاعة. لكن اليوم، يبدو أن المشهد تغيّر. باتت الحكاية تُروى بخيوط التطريز، في رائحة زيت الزيتون، وفي ألحان الأغاني والأفلام والمعارض. وكأن النضال تحوّل من مواجهة بالسلاح إلى معركة حول البقاء الثقافي والهوية.
تبدّل أدوات المقاومة
قد يتساءل البعض: هل خفّ وهج النضال، أم أنه ببساطة تغيّر شكله؟
كانت المقاومة المسلحة يومًا تعبيرًا عن الغضب والكرامة والبحث عن الحرية، لكن تحوّلات السياسة الإقليمية والعالمية، وتغيّر الأجيال، فرضت واقعًا مختلفًا. جيل جديد من الفلسطينيين – كثير منهم وُلد في المنفى أو تحت الاحتلال – وجد أدوات جديدة ليعبّر عن ذاته: الفن، الطهو، الموضة، الأفلام، والقصص.
في المعارض وعلى منصات التواصل الاجتماعي، يقدّم الفنانون والمبدعون الفلسطينيون رواياتهم الخاصة، بلغتهم وصورهم. الكوفية أصبحت رمزًا للهوية في الموضة، موسم الزيتون تحوّل إلى فعل انتماء، والأفلام تسرد ما حاولت الخطابات السياسية طمسه. بالنسبة للبعض، هذه ليست بدائل للنضال القديم، بل امتداد له بوسائل مختلفة، تتناسب مع عالم يتغيّر فيه شكل التأثير.
بين الهوية والفعل
في المقابل، يرى آخرون أن هذا التحوّل الثقافي قد يفرّغ النضال من جوهره، ويحوّله من حركة تحرر إلى نمط حياة أو علامة تجارية. فهل يبقى للتطريز قيمته الثورية حين يُعرض في متاجر الغرب؟ وهل يظل زيت الزيتون رمزًا للأرض حين يتحول إلى منتج فاخر؟
ربما تكمن الحقيقة في المنتصف. فإثبات الهوية، في حد ذاته، هو فعل سياسي. التعبير عن الذات، والحفاظ على الذاكرة، وإحياء التراث، كلها مقاومة. لكن الهوية، إن انفصلت عن السعي نحو العدالة والحرية، قد تصبح مجرد سرد جميل بلا فعل.
جيل جديد… ومعضلة جديدة
يعيش الجيل الفلسطيني اليوم في عالم ممزّق: بعضهم تحت الاحتلال، بعضهم في الشتات، وآخرون بين ثقافتين. بالنسبة لهم، الفن والرمز ليسا ترفًا بل وسيلة للبقاء. وشم غصن الزيتون، رقصة الدبكة، أو منشور بسيط عن التراث، كلها أصبحت طرقًا للتعبير عن الانتماء والكرامة.
لكن هل يمكن للفن أن يحلّ مكان الفعل السياسي؟ أم أنه يعيد تعريفه؟
سؤال مفتوح… وربما يجب أن يبقى كذلك.
حكاية لم تنتهِ
سواء كان النضال بالبندقية أو بالإبرة، بالشعار أو بالأغنية، تبقى القصة الفلسطينية مستمرة. فربما لم تكن المقاومة يومًا في الأداة، بل في الإصرار على الوجود.
شجر الزيتون ما زال ينمو، والخيوط ما زالت تحكي الحكاية.
وفي عالمٍ يراقب أكثر مما يُصغي، ربما أصبح الظهور ذاته شكلًا جديدًا من المقاومة.
0 تعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال. كن أول من يترك رسالة!